مفهوم السعادة
مفهوم السعادة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: ما من إنسان على وجه الأرض إلا وهو يبحث عن السعادة ويبدل كل الجهد طوال حياته حتى يصل اليها ، والكثير من الناس يعيش كل حياته يبحث عنها ولا يجدها ، والبعض تكون كل حياته سعادة
والسعادة نستطيع أن نتجول فى العلم الثابت لنعلم ما هى وما هى مقوماتها .
القرآن، كما نعلم كتاب ومنهج لهداية الإنسان إلى سعادتة في الدنيا والاخرة .
وقد انزل الله سبحانه وتعالي في كتابه الحكيم منهج يضمن لنا سعادة الدنيا والاخرة
فالتشريعات من الاقوال والافعال التى وردت فى الكتاب والسنة من شأنها صيانه الانسان وتحقيق رفاهيته
قال تعالي في سورة طه
[ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى] [طه: 123- 124].
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الآية: تكفل الله لمن اتبع هدى الله أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة،
والمعنى: أن من اتبع الهدى واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يضل في الدنيا بل يكون مهتديًا مستقيمًا
ولا يشقى في الآخرة بل له الجنة والكرامة،
وهدى الله هو ما دل عليه كتابه العظيم القرآن وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام من فعل الأوامر وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله بها ورسوله، والإقامة عند حدود الله وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى
ومن أعرض عن ذكر الله يعني: عن كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولم يتبع الهدى فإن له معيشة ضنكًا، والله جل وعلا يبتليه بالمعيشة الضنك، وهي ما يقع في قلبه من القلق والضيق والحرج ولو أعطي الدنيا كلها،
ورد التنويه عن السعادة في موضعين في القرآن من سورة هود:{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}[هود:105
، والآية الأخرى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ}[هود من الآية:108]
ادن لفظ السعادة الصريح ورد فى القرأن الكريم مرتبط بالاخرة
وتحقيق السعادة في الآخرة متوقف على تحقيق العبودية لله في الدنيا
فعندما نلاحظ أن الآيات تتحدث عن السعادة في الجنة والآخرة لكن ماذا عن الدنيا؟..
أولاً: ماذا تعني السعادة؟
اختلفوا قديمًا وحديثًا حول مفهومها بشكل دقيق، لكنها تدور بين الرضا واللذة والشعور بالمتعة والراحة والسعادة هى دلك الشعور الجميل المنعش الدى يضفى على الروح والبدن جمالا وحيوية طوال اليوم
السعادة فى اللغة العربية هى الفرج و الابتهاج و كل ما يجعل النفس فى بهجة و سعادة.
فيمكن أن نعرف السعادة الحقيقية أنها حالة نفسية تجمع بين راحة الجسد ومتعة النفس وارتقاء الروح ، وتختلف وسائل تحقيقها من شخص لآخر.
وفي القرآن الكريم مجموعة من النصائح التي ترشدنا إلى تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة:
1- في الآية 130 من سورة طه:
{فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ}.
فالله سبحانه يرشد نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الصبر والتسبيح بحمد لله تعالى في الأوقات المذكورة في الآية، ووضح السبب في ذلك فقال لعلك ترضى، نلاحظ قول الله تعالى لعلك ولم يقل: لعلي أرضى!..
وما علاقة الرضا بالسعادة؟
لا أكون مبالغًة إن قلت أن أصل السعادة الرضا، بل هي أعلى درجات السعادة، أن ترضى بما رزقت وبما ابتليت به وبما حققت فى هدة الحياة بعد أخدك بالأسباب فى كل امر ، وأن ترضى بالنتائج .
لذلك نجد في سورة الضحى، حينما تحدث الله سبحانه وتعالى على نعمه على رسوله صلى الله عليه وسلم قال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى:5]، ولم يقل فتسعد.
فالرضا مفتاح السعادة ، وا>ا الحديث للنبى صلى الله عليه وسلم وتبشير له فى الدنيا بما سيحققه له فيها الا ان الاخرة خير من الاول ، وا>ا الكلام للنبى صلى الله عليه وسلم فا للمؤمنين بالتبعية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))؛ رواه البخاري.
قال تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) سورة السجدة
ولنا في رسول الله الأسوة والقدوة الحسنة، فإذا أردت أن تحقق الرضا الذي يوصلك حتمًا إلى السعادة فليكن لك ورد في هذه الأوقات للتسبيح بحمد الله ولا يشغلك عن ذلك أي شاغل، لكن كيف أعرف أنني حققت الرضا؟
قال يحيى بن معاذ أن تقول لربك تبارك وتعالى يا رب إن أعطيتني قبلت وإن منعتني رضيت، وإن تركتني عبدت وإن دعوتني أجبت.
2- الآية 199 من سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف: 199]
ففي هذه الآية منهج قرآني لتحقيق الراحة النفسية والرضا والسعادة
فالعفو عن الناس يزيد مشاعر الحب والألفة
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴿٢٣٧ البقرة﴾
فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴿١٠٩ البقرة﴾
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴿١٤٩ النساء﴾
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿١٣ المائدة﴾
وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿14 التغابن﴾
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴿١٣٤ آل عمران﴾
والأمر بالمعروف يجعلك تشعر بأهميتك في الحياة، وأن لك دور فيها فترضى عن نفسك، والإعراض عن الجاهلين من أهم الأسباب المسببة للسعادة.
واعلم أن الحق سبحانه وتعالى يحب من عبده المؤمن أن يكون هينا ليناً مع إخوانه من المؤمنين. فإن عز عليه أخوه المؤمن فَلْيَهنْ له، فإن تعالى أو تعالم أخ مسلم عليك، فلا تتعال عليه أو تتعالم حتى لا تقوم معركة بينكما، بل تواضع أنت، ليزيدك الله رفعة وعزة. وكأن الله سبحانه وتعالى يؤكد لك: أنك حين تعطي العفو تأخذ الخير من خلاله. ودائماً أضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - أنت حين تدخل إلى منزلك وتجد ابناً لك قد أساء إلى أخيه فيتجه قلبك وحنانك إلى المظلوم. ونحن عيال ربنا، فإن ظلم واحدٌ آخرَ، فالظالم بظلمه يجعل الله في جانب المظلوم، ولذلك يحتاج الظالم إلى أن نحسن إليه حيث كان سببا في رعاية الله لنا فنفعل معه مثلما فعل سيدنا حسن البصري عندما قيل له: إن فلاناً اغتابك بالأمس. ونادى سيدنا حسن البصري الخادم وقال له: جاءنا طبق من باكورة الرطب. اذهب به إلى فلان - وحدد للخادم اسم من اغتابه - وتعجب الخادم: كيف تبعث بالرطب إليه وهو قد اغتابك؟ فقال: أفلا أحسن إلى من جعل الله بجانبي، قل له: «يقول لك سيدي بلغه أنك قد اغتبته فأهديت إليه حسناتك، وهو أهداك رطبه» . {خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} وتتناول الآية الكريمة الأمر بالعرف: والعرف هو السلوك الذي تعرف العقول صوابه، وتطمئن إليه النفوس، ويوافق شرع الله، ونسميه العرف؛ لأن الكل يتعارف عليه، ولا أحد يستحيي منه، لذلك نسمع في شتى المجتمعات عن بعض ألوان السلوك: هذا ما جرى به العرف. وما يجري به العرف عند المجتمعات المؤمنة يعتبر مصدراً من مصادر الأحكام الشرعية. وخير مثال على ذلك: أننا نجد الشاب لا يخجل من أن يطرق باب أسرة ليطلب يد ابنتها، لأن هذا أمر متعارف عليه ولا حياء منه، بينما نجد المجتمع المسلم يستحي أن يوجد بين أفراده إنسان يزني، والغاية من الزنا الاستمتاع، والغاية من طلب يد الفتاة هو الاستمتاع، لكْن هناك فارق كبير بين متعة يحرمها الله عَزَّ وَجَلَّ، ومتعة يٌحلّها الله تعالى. وفي نهاية الآية يقول الله تعالى: { ... وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} وكيف يكون الإعراض عن الجاهلين؟ . يخطئ من يظن أن الجاهل هو الذي لا يعلم، لأن من لا يعلم هو الأمي، أما الجاهل فهو من يعلم قضية تخالف الواقع. ونلحظ أن المشكلات لا تأتي من الأميين الذي لا يعلمون، فالأمي من هؤلاء يصدق أي قضية تحدثه عنها وتكون مقبولة بالفطرة؛ لأنه لا يملك بديلاً لها، أما الجاهل فهو من يعلم قضية مخالفة للواقع ويحتاج إلى تغيير علمه بتلك القضية، والخطوة الثانية أن تقنعه بالقضية الصحيحة. والحق هنا يوضح: أعرضْ عن الجاهل الذي يعتقد قضية مخالفة للواقع ويتعصب لها، وأنت حين تعرض عن الجاهل، يجب ألا تماريه، أي لا تجادله؛ لأن الجدل معه لن يؤدي إلى نتيجة مفيدة؛ لذلك أقول لكل من يواجه قضية التدين ولم يقرأ عن الدين كتاباً واحداً، وقرأ في كتب الانحراف عن الدين المئات، أقول له: كما قرأت فيما يناهض الدين مئات الكتب فمن الحكمة يجب عليك أن تكون عادلاً ومنصفاً فتقرأ في مجال التدين بعض الكتب الخاصة به مثلما قرأت في غيرها. وإن أردت أن تبحث قضية الدين بحثاً منطقياً يصحح لك عقيدتك، فعليك أن تخْرِج كل الاقتناعات المسبقة من قلبك ووجدانك. وتدرس الأمرين بعيداً عن قلبك، ثم أدخل إلى قلبك الأمر الذي ترتاح إليه، لكن لا تحتفظ في قلبك بقضية وتناهض منطوقها بظاهر لسانك. والحق سبحانه وتعالى يقول: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... } [الأحزاب: 4] . فأنت لك قلب واحد، إما أن يمتلئ بالإيمان واليقين وإما بغير ذلك. والقلب حيز واحد فلا تشغله أنت بباطل، حين تبحث قضية الحق، بل أخرج الباطل من قلبك أولاً، واجعل الباطل والحق خارجه، وابحث بعقلك، والذي ييسرُ إليك أن تدخله إلى قلبك فأدخله. وفي بيان معنى هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها روى لنا أبيّ قال: لما أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ ّ على نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين» قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ما هذا يا جبريل؟ قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك» . وسبحانه - إذن - يريد أن يعلمنا قضية إيمانية إنسانية؛ لأنك كمسلم تساعد المصاب في بدنه، فما بالك بالمصاب في قيمه، ألا يحتاج إلى معونتك؟
هذه بعض من صفات المتقين {والكاظمين الغيظ} لأن المعركة - معركة أُحد - ستعطينا هذه الصورة أيضاً. فحمزة وهو سيد الشهداء وعم سيدنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُقتل. وليته يُقتل فقط ولكنه مُثِّل به، وأُخِذ بضع منه وهو كبد فلاكته «هند» ، وهذا أمر أكثر من القتل. وهذه معناها ضغن دنيء. وحينما جاء لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خبر مقتل حمزة وقالوا له: إن «هنداً» أخذت كبده ومضغتها ثم لفظتها، إذ جعلها الله عَصِيَّة عليها، قال: «ما كان الله ليعذب بعضاً من حمزة في النار» كأنها ستذهب إلى النار، ولو أكلتها لتمثلت في جسمها خلايا، وعندما تدخل النار فكأن بعضاً من حمزة دخل النار، فلا بد أن ربها يجعل نفسها تجيش وتتهيأ للقيء وتلفظ تلك البضعة التي لاكتها من كبد سيد الشهداء. وقد شبه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هذه الحادثة بأنها أفظع ما لقي. إنها مقتل حمزة فقال: «لئن أظفرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم» . وهنا جاء كظم الغيظ ليأخذ ذروة الحدث وقمته عند رسول الله في واحد من أحب البشر إليه وفي أكبر حادث أغضبه، وينزل قول الحق: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: 126] كي نعرف أن ربنا - جل جلاله - لا ينفعل لأحد؛ لأن الانفعال من الأغيار، وهذا رسوله فأنزل - سبحانه - عليه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ويأتي هنا الأمر بكظم الغيظ، وهو سبحانه يأتي بهذا الأمر في مسألة تخص الرسول وفي حدث «أٌحد» . وبعد ذلك يُشيعها قضية عامة لتكون في السلم كما كانت في الحرب. وتكون مع الناس دون رسول الله؛ لأنها كانت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. {والكاظمين الغيظ} ونعرف أن كل الأمور المعنوية مأخوذة من الحسّيات. وأصل الكظم أن تملأ القِرْبة، والقِرَب - كما نعرف - كان يحملها «السقا» في الماضي، وكانت وعاء نقل الماء عند العرب، وهي من جلد مدبوغ، فإذا مُلئت القربة بالماء شُدّ على رأسها أي رٌُبط رأسها ربطاً محكماً بحيث لا يخرج شيء مَمّا فيها، ويقال عن هذا الفعل: «كظم القربة» أي ملأها وربطها، والقربة لينة وعندما توضع على ظهر واحد أو على ظهر الدابة فمن ليونتها تخرج الماء فتكظم وتربط بإحكام كي لا يخرج منها شيء. كذلك الغيظ يفعل في النفس البشرية، إنه يهيجها، والله لا يمنع الهياج في النفس لأنه انفعال طبيعي، والانفعالات الطبيعية لو لم يردها الله لمنع أسبابها في التكوين الإنساني. إنما هو يريدها لأشياء مثلا: الغريزة الجنسية، هو يريدها لبقاء النوع، ويضع من التشريع ما يهذبها فقط، وكذلك انفعال الغيظ، إن الإسلام لا يريد من المؤمن أن يُصَبَّ في قالب من حديد لا عواطف له، لا، هو سبحانه يريد للمؤمن أن ينفعل للأحداث أيضاً، لكن الانفعال المناسب للحدث، الانفعال السامي الانفعال المثمر، ولا يأتي بالانفعال المدمر. لذلك يقول الحق: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} [الفتح: 29] فالمؤمن ليس مطبوعاً على الشدة، ولا على الرحمة، ولكن الموقف هو الذي يصنع عواطف الإنسان، فالحق سبحانه يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54] وهل هناك من هو ذليلٌ عزيزٌ معاً؟ نقول: المنهج الإيماني يجعل المؤمن هكذا، ذلة على أخيه المؤمن وعزة على الكافر. إذن فالإسلام لا يصب المؤمنين في قالب كي لا ينفعلوا في الأحداث. ومثال آخر: ألم ينفعل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين مات ابنه إبراهيم؟ لقد انفعل وبكى وحزن. إن الله لا يريد المؤمن من حجر. بل هو يريد المؤمن أن ينفعل للأحداث ولكن يجعل الانفعال على قدر الحدث، ولذلك قال سيدنا رسول الله عند فراق ابنه: «إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» . ولا نقول لحظة الانفعال ما يسخط الرب. بل انفعال موجّه، والغيظ يحتاج إليه المؤمن حينما يهيج دفاعاً عن منهج الله، ولكن على المؤمن أن يكظمه. . أي لا يجعل الانفعال غالبا على حسن السلوك والتدبير. والكظم - كما قلنا - مأخوذ من أمر محس. مثال ذلك: نحن نعرف أن الإبل أو العجماوات التي لها معدتان، واحدة يُختزن فيها الطعام، وأخرى يتغذى منها مباشرة كالجمل مثلاً، إنه يجتر. ومعنى: يجتر الجمل أي يسترجع الطعام من المعدة الإضافية ويمضغه، هذا هو الاجترار. فإذا امتنع الجمل عن الاجترار يقال: إن الجمل قد كظم. والحق سبحانه يقول: {والكاظمين الغيظ والعافين عَنِ الناس} . وقلنا: إن هناك فرقاً بين الانفعال في ذاته، فقد يبقى في النفس وتكظمه، ومعنى كظم الانفعال: أن الإنسان يستطيع أن يخرجه إلى حيز النزوع الانفعالي، ولكنّه يكبح جماح هذا الانفعال. أما العفو فهو أن تخرج الغيظ من قلبك، وكأن الأمر لم يحدث، وهذه هي مرتبة ثانية. أما المرتبة الثالثة فهي: أن تنفعل انفعالاً مقابلاً؛ أي أنك لا تقف عند هذا الحد فحسب، بل إنك تستبدل بالإساءة الإحسان إلى من أساء إليك. إذن فهناك ثلاث مراحل: الأولى: كظم الغيظ. والثانية: العفو. والثالثة: أن يتجاوز الإنسان الكظم والعفو بأن يحسن إلى المسئ إليه. وهذا هو الارتقاء في مراتب اليقين؛ لأنك إن لم تكظم غيظك وتنفعل، فالمقابل لك أيضاً لن يستطيع أن يضبط انفعاله بحيث يساوي انفعالك، ويمتلئ تجاهك بالحدة والغضب، وقد يظل الغيظ نامياً وربما ورّث أجيالا من أبناء وأحفاد. لكن إذا ما كظمت الغيظ، فقد يخجل الذي أمامك من نفسه وتنتهي المسألة. {والعافين عَنِ الناس} مأخوذة من «عفّى على الأثر» والأثر ما يتركه سير الناس في الصحراء مثلا، ثم تأتي الريح لتمحو هذا الأثر.
ويقول الحق في تذييل الآية: {والله يُحِبُّ المحسنين} . وقلنا في فلسفة ذلك: إننا جميعاً صنعة الله، والخلق كلهم عيال الله. وما دمنا كلنا عيال الله فعندما يُسيء واحد لآخر فالله يقف في صف الذي أسيء
3- التمسك بالقرآن وعدم الإعراض عنه وهجره، ففي أول سورة طه قال الله تعالى: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ} [طه:2]، والشقاء عكس السعادة {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وفي أواخر السورة قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه:124]، فكأن الله يريد أن يعلمنا أنه أنزل إلينا هذا القرآن لنسعد لا لنشقى، ثم إنه سبحانه وضح سبب الضنك والشقاء بالإعراض عن القرآن الكريم. إذًا تحقيق السعادة يكون في الرضا والصبر والتسبيح بحمد الله، والعفو عن الناس والأمر بالمعروف، والإعراض عن الجاهلين، والآيات كثيرة في القرآن تتحدث عن السعادة فابحث عنها وتأملها، وحاول أن تطبق لا أن تكتفي بالقراءة. أسأل الله أن يرزقني وإياكم الرضا والفرح والسرور في الدنيا والآخرة.
تعليقات
إرسال تعليق